فوضى طبية بالإعلام- علاجات وهمية وأطباء بلا رقيب.

المؤلف: عقل العقل10.06.2025
فوضى طبية بالإعلام- علاجات وهمية وأطباء بلا رقيب.

إن المتأمل في فضاءات وسائل التواصل الاجتماعي، والمنصت إلى لقاءات البودكاست التي ازدهرت في مجتمعنا، يلاحظ التنوع الكبير في اهتماماتها، التي تتراوح بين الرياضة والأعمال والقضايا الفكرية، مع وجود قلة نسبية في المحتوى العلمي. إلا أننا شهدنا مؤخرًا ظهور أطباء إعلاميين يديرون هذه البرامج رفقة زملائهم الأطباء، وهو توجه أراه محمودًا ومثمرًا، يحمل في طياته فوائد جمة وإيجابيات للمجتمع بأكمله. فالتوعية الصحية، بكل أبعادها وأشكالها، أضحت من المواضيع الرائجة في وسائل الإعلام والتواصل في عالمنا ووطننا.

فكل من يتابع موضوعًا صحيًا على هذه المنصات، تتوالى عليه المواد المتعلقة به من كل حدب وصوب. إلا أن الخطر الكامن يكمن في تصديق وتطبيق بعض المرضى، الذين يعانون من أعراض بسيطة، لما يشاهدونه على هذه القنوات. فبعض الأدوية أو الأعشاب، أو غيرها من الوصفات، قد لا تكون ملائمة لحالتهم المرضية، وقد تتسبب في مضاعفات صحية وخيمة، قد تصل إلى الوفاة أو التسبب في مشكلات صحية أخرى.

فمن المؤسف حقًا أن نجد من يدّعون الحرص على صحتنا، ويبشروننا بعلاجات شافية لبعض الأمراض المستعصية، كالسكري والضغط، وهم في الواقع يسعون إلى زيادة عدد المتابعين ورفع نسب المشاهدة، التي تنعكس إيجابًا على الإعلانات في مواقعهم، أو أنهم يحصلون بالفعل على مبالغ مالية مقابل ذلك. وقد نتفهم هذه المبالغة في الطرح في بعض المواضيع التي لا تشكل ضررًا كبيرًا على المجتمع، كالمناقشات الرياضية والفنية أو المحتوى الفكاهي، فالضرر فيها يقتصر على إضاعة الوقت والجهد، ولكنها على الأقل لا تهدد حياة الإنسان.

الأطباء في كل أصقاع العالم يحظون بمصداقية ومكانة مرموقة في مجالهم، والجميع يستفيد من علمهم وثقافتهم الطبية. إلا أن ما يحدث في وسائل التواصل الاجتماعي لا يتماشى مع هذه المفاهيم، إذ نجد بعضهم يطلق العنان لنفسه، ويقدم معلومات مضللة عن مشروبات ومأكولات، بينما اتفق الجميع والعلم لاحقًا على أنها صحية أو على الأقل غير ضارة للإنسان.

فأحدهم زعم أن ما نسبته 80% من الجلطات سببها الزنجبيل، وهو مشروب متجذر في ثقافتنا المحلية. ويبدو أن مدعي الطب البديل قد تجاوزوا الحدود، والدليل على ذلك أن هناك أطباء يتمتعون بمصداقية علمية عالية تصدوا لهذا الاستنتاج، وتم استدعاء "طبيب الزنجبيل" من قبل الجهات المختصة. وطبيب آخر له صولات وجولات في وسائل التواصل الاجتماعي، وفي مقابلة مع طبيب آخر في برنامج بودكاست يفترض فيهما المصداقية، روجا لنوع من الإبر العلاجية التي ادعيا أنها ذات مفعول سحري، مما استدعى استدعاءهما من قبل هيئة تنظيم الإعلام، لأن ما ذكراه كان غير دقيق وغير مرخص في السوق المحلي.

الأكيد أننا نشهد فوضى عارمة في الترويج للعلاجات الوهمية لكافة الأمراض، من السكري إلى السرطان، وهذا يستلزم نوعًا من الرقابة الصارمة من قبل الجهات المختصة في الإعلام، وفي المقام الأول من الأجهزة الصحية ذات الصلة، التي يفترض أن تعطي الإذن والترخيص للأطباء الذين يظهرون في وسائل التواصل الاجتماعي.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة